في معْنَى الآيةِ الكريمةِ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ}، وما يَليها



بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

قالَ سُبحانَهُ -وتعالى- في سورة "الذّاريات":
{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) 
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)} .


جاءَ في تفسير: "تيسير الكريم الرّحمن"*، للعلَّامةِ السّعديّ، رحمَهُ اللهُ:
"أيْ: والسَّماء ذاتِ الطَّرائق الحسنة، التي تُشبه حبك الرِّمال، ومياهَ الغدران، حين يحركها النَّسيم.
- {إِنَّكُمْ}: أيُّها المكذِّبون لمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم
- {لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ}:
منكُم من يقولُ: ساحِر
ومنكُم من يقولُ: كاهِن
ومنكُم من يقولُ: مجنون
إلى غير ذلكَ من الأقوالِ المختلفةِ، الدَّالَّة على حيرتهم وشكِّهم، وأنَّ ما هم عليه باطل.
- {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ}؛ أي: يُصرَفُ عنه من صُرِفَ عنِ الإيمان، وانصرفَ قلبُه عن أدلَّة اللهِ اليقينيَّةِ وبراهينِه.
واختلافُ قولهم؛ دليلٌ على فسادِهِ وبُطلانِه، كما أنَّ الحقَّ الذي جاء به محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم، متَّفقٌ [يُصَدِّق بعضُه بعضًا]، لا تناقضَ فيه، ولا اختلافَ،
وذلك دليلٌ على صحَّتِه، وأنَّهُ من عندِ اللهِ:
{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا}[النساء: 82]" اهـ‍.
*(ص: 808)، ط1، 1420هـ‍، ت: عبد الرّحمن اللّويحق، مؤسّسة الرّسالة.

في أصْلِ معنى كلمةِ (أُفّ) ولُغاتِها وقراءةِ القرَّاءِ السّبعةِ لَها



في أصْلِ معنى كلمةِ (أُفّ) ولُغاتِها وقراءةِ القرَّاءِ السّبعةِ لَها

بسمِ اللهِ الرّحمن الرّحيم

الحمدُ للهِ، والصَّلَاةُ والسَّلَامُ على رسولِ اللهِ، أمَّا بعدُ:
فقد وردتْ كلمةُ (أُفّ) في القرآنِ الكريم، في ثلَاثَةِ مواضعَ:
1- في سورةِ الإسراء: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (32)}
2- في سورةِ الأنبياء: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66)}{أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)}
3- في سورة الأحقاف: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)}

وفي معنى (أُفّ)، جاءَ في: "لسان العرب":
"أفف: (الأُفُّ): الوَسَخُ الَّذِي حَوْلَ الظُّفُرِ!
 و(التُّفُّ) الَّذِي فِيهِ.
وَقِيلَ: (الأُفُّ): وسَخ الأُذن!
و(التُّفُّ): وسَخ الأَظفار!
يُقَالُ -ذَلِكَ- عِنْدَ اسْتِقْذارِ الشَّيْءِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ -ذَلِكَ- عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ يُضْجَرُ مِنْهُ ويُتَأَذَّى بِهِ.
و(الأَفَفُ): الضَّجَرُ.
وَقِيلَ: (الأُفُّ والأَفَفُ): القِلَّة.
و(التُّفُّ) مَنْسُوقٌ عَلَى (أُفّ)، وَمَعْنَاهُ كَمَعْنَاهُ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ التَّاءِ.
و(أُفّ): كَلِمَةُ تَضَجُّرٍ.
وَفِيهَا عَشْرَةُ أَوجُهٍ:
1- أُفَّ لَهُ،
2- وأُفِّ،
3- وأُفُّ،
4- وأُفًّا،
5- وأُفٍّ،
6- وأُفٌّ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما}[الإسراء: 23]
7- وأُفِّي، مُمالٌ
8- وأُفَّى
9- وأُفَّةٌ
10- وأُفْ؛ خَفِيفَةٌ مِنْ أُفّ الْمُشَدَّدَةِ.
وَقَدْ جَمَعَ (جمالُ الدِّين بْنُ مَالِكٍ) هَذِهِ الْعَشْرَ لُغَاتٍ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
فأُفَّ ثَلِّثْ ونَوِّنْ، إِنْ أَرَدْتَ، وقُل: ... أُفَّى وأُفِّي وأُفْ وأُفَّةً تُصِبِ" اهـ‍
(9/6)، ط1 (1410هـ‍)، دار الفكر، بيروت.

وقد جاء في "تاج العروس" أنّ لها (خمسين وجهًا)! فيُنظرُ تفصيلُها هناك.

قالَ الإمامُ الشَّاطبيّ -رحمَهُ اللهُ- في "حرز الأماني ووجه التّهاني"؛ مبيِّنًا كيفيَّةَ قراءةِ القُرَّاءِ السّبعةِ لكلمةِ (أُفّ):
818 - وَعَنْ كُلِّهِمْ شَدِّدْ/ وَفَا (أُفِّ) كُلِّها ... بِفَتْحٍ دَناَ كُفْؤًا وَنَوِّنْ عَلَى اعْتَلاَ

شرْحُ البيتِ من كتاب "الوافي في شرح الشّاطبيّة":
"والخلاصةُ: أنَّ:
- ابنَ كثيرٍ وابنَ عامرٍ: يقرآنِ بفتحِ الفاءِ وتركِ التّنوين. (أُفَّ).
- وأنَّ نافعًا وحفصًا: يقرآن بكسرِ الفاءِ وتنوينِها. (أُفٍّ)
- وأنَّ الباقينَ: يقرؤُون بكسرِ الفاءِ، وتركِ تنوينِها. (أُفِّ)" اهـ‍ بتصرُّف يسيرٍ.
(ص: 252)، ط (1437هـ‍)، دار السّلام، مصر.
واللهُ تعالى أعلم.
كَتَبَتْهُ: حَسَّانةُ بنتُ محمَّدٍ ناصرِ الدّين بنِ نوحٍ الألبانيّ.
الأحد 25 شهر الله المُحرَّم 1439هـ‍

الآية: 68، من سورة الأنعام




{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
[الأنعام : 68]