وقال ابن رجب الحنبليّ: أفِي دَارِ الخَرَابِ تَظلُّ تَبنِي *** وتَعمُرُ؟ مَا لِعمرَانٍ خُلِقتَا! (القصيدة)

بسم الله الرّحمن الرّحيم...
 إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأن محمّدًا عبده ورسوله.
أمّا بعد:
فهذه قصيدةٌ بليغةٌ في معانيها؛ عظيمةٌ في مقاصدها؛ للحافظِ ابنِ رجبَ الحنبليِّ ـ رحمه الله تعالى ـ في رسالته (ذمّ قسوة القلب)...
يبيّنُ فيها زخرفَ هذه الدّنيا؛ ومآلَ العبدِ فيها...فأبدعَ قائلاً:
1- أفِي دَارِ الخَــــرَابِ تَظلُّ تَبنِي   ***   وتَعمُرُ؟ مَا لِعُمرَانٍ خُلِقتَا!
2- وَمَا تَركَتْ لَكَ الأَيَّامُ عُـذرًا   ***   لَقَد وَعَظَتْكَ لَكِنْ مَا اتَّعَظتَا!
3- تُنادي للرَّحِيــلِ بِكُلِّ حِينٍ   ***   وَتُعلِنُ إنَّمَا المَقصُودُ أنْتَا!
4- وتُسمِعُكَ النِّـــدَاءَ وأنتَ لاَهٍ   ***   عَـنِ الدَّاعِي كأنَّكَ مَا سَمِعتَا!
5- وتَعلَمُ أنَّهُ سَفَرٌ بَعِيــدٌ   ***   وعَــــن إِعدَادِ زَادٍ قَد غَفَلتَا!
6- تَنَـامُ وَطالِبُ الأيَّامِ سَاعٍ   ***   ورَاءكَ لاَ يَنَامُ فَكيـــفَ نِمتَا!
7- مَعائِبُ هَـــذِهِ الدُّنيَا كَثِيرٌ   ***   وأنتَ عَلَـــــــى محبَّتِهَا طُبِعتَا!
8- يَضِيعُ العُمرُ فِــــي لَعِبٍ وَلهوٍ   ***   وَ لَــو أُعطِيتَ عَقــْلاً مَا لَعِبتَا!
9- فمَا بَعــدَ الممَاتِ سِوَى جَحِيمٍ  ***   لِعــَاصٍ أو نَعِيمٍ إِنْ أَطعْتَا!
10- ولستَ بآمِـــــلٍ  ردًّا لِدُنيَا   ***   فَتعْملُ صَالِحًا فِيمَا تَركتَا!
11- وأوَّلُ مَــــن ألُومُ اليَومَ نفسِي  ***   فَقَــــد فَعَلتْ نَظَائِرَ مَا فَعلتَا!
12- أيَا نفسِي أَخوضًا فِــــي المَعاصِي  ***   وَبعـــدَ الأربَعِينَ وغِبَّ سِتَّا!
13- وَأرجُــو أَن يَطُولَ العُمــــرُ حَتَّى  ***   أَرى زَادَ الرَّحِيــلِ وقَد تأتَّى!
14- أيَـــا غُصنَ الشَّبابِ تَمِيـــلُ زَهوًا   ***   كأنَّكَ قَد مَضَى زَمنٌ وعِشتَا!
15- عَلِمتَ فَدَعْ سَبِيلَ الجَهلِ واحذَرْ  ***   وَصحِّحْ قَد عَلِمتَ ومَا عَمِلْتَا!
16- وَيَا مَـــــن يَجمعُ الأَموالَ قُلْ لِي    ***   أَيَمنَعُكَ الـرَّدَى مَا قَد جَمَعتَا؟!
17- وَيَا مَــن يَبتَغِي أَمرًا مُطَاعًا    ***    يُسمَعُ نَافِذٌ مَـــن قَد أَمَرتَا!
18- أَجَجْتَ إلَــــى الوِلاَيَةِ لاَ تُبَالِي   ***   أَجِرْتَ عَلَـــى البرِيَّةِ أَم عدَلتَا!
19- ألاَ تَدرِي بأنَّكَ يَـــــومَ صَارَتْ   ***   إِلَيكَ بِغَيــرِ سِكِّينٍ ذُبِحتَا!
20- ولَيسَ يَقُــــومُ فَرحةُ قَد تَولَّى   ***   بِتَرحةِ يَــــــومَ تَسمعُ قَد عُزِلتَا!
21- وَلاَ تُهمِــــلْ فَإنَّ الوَقتَ يَسرِي   ***   فإنْ لَـــم تَغتَنِمهُ فَقَد أَضَعتَا!
22- تَـــــــرَى الأيَّامَ تُبلِي كُلَّ غُصنٍ  ***  وَتَطوِي مِـــــن سُرُورِكَ مَا نَشَرْتَا!
23- وَتَعلَــمُ إنَّمَا الدُّنيَا مَنامٌ   ***   فَأحلَى مَا تَكُونُ إذَا انتبَهتَا!
24- فَكَيفَ تصدُّ عَــن تَحصِيلِ بَاقٍ   ***   وَبِالفَانِـــــي وزُخرُفِهِ شُغِلتَا!
25- هِــــيَ الدُّنيَا إذَا سَرَّتكَ يَومًا   ***   تسُؤْكَ ضِعـْفَ مَا فِيهَا سُرِرتَا!
26- تَغُــرُّكَ كالسَّرابِ فأنتَ تَسرِي  ***   إليــــهِ ولَيسَ تَشعُرُ إن غُرِرتَا!
27- وَأشهدُ كَــمْ أبادَتْ مِن حَبِيبٍ  ***   كأنَّكَ آمِـــــنٌ مِمَّنْ شَهِدتَا!
28- وَتدْفِنُهُم وَتــــــرجِعُ ذَا سُرُورٍ   ***   بِمَا قَد نِلتَ مِن إِرثٍ وَحَرثَا!
29- وتَنسَاهُمْ وأنتَ غَـــــــدًا سَتَفنَى  ***   كأنَّكَ مَا خُلِـقتَ ولاَ وُجِدتا!
30- تُحدِّثُ عَنهُـــمُ وَتقُولُ  كَانُوا  ***   نَعـمْ كَانُوا كَمَا واللهِ كُنتَا!
31- حَدِيثُكَ هُمُ وأنتَ غدًا حَدِيثٌ  ***   لِغَيرِهمُ فَأحسِن مَا استطَعتَا!
32- يَعُــودُ المرءُ بَعدَ الموتِ ذِكرًا   ***   فَكُن حَسَنَ الحَدِيثِ إذَا ذُكِرتَا!
33- سلِ الأيَــــــامَ عَن عَمٍّ وخالٍ   ***   وَمَالَكَ والسُّؤالُ؟! وقَــــد عَلِمتَا!
34- ألَستَ تَــــرى دِيارَهُمُ خَوَاءٌ   ***   فَقَــد أنكَرْتَ منهَا مَا عرفتَا!
،،،،،،،،،
الأحد/ 8/ صفر/ 1431هـ

قطرة من دموع... وقطرة دم!

بسم الله الرحمن الرحيم...
قطرة من دموع... وقطرة دم!
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ:
((لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ، وَأَثَرَيْنِ:
قَطْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ فِي خَشْيَةِ اللهِ!
وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللهِ!
وَأَمَّا الأَثَرَانِ:
فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللهِ!
وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللهِ!)).
(1).

ومن المعاني البليغة لهذا الحديث الشريف ـ سائلة ربنا تبارك وتعالى أن يمن علينا من فضله ـ:
[(قطرة دموع):
أي: قطرة بكاء حاصلة!
(من خشية الله):
أي من شدة خوفه وعظمته المورثة لمحبته!
(في سبيل الله):
وهو بعمومه يشمل: الجهاد وغيره من سبيل الخير.
ولعل وجه إفراد (الدم) وجمع (الدموع)؛ أن: الدمع غالبًا يتقاطر ويتكاثر؛ بخلاف الدم!
وقال الطيبي: "المراد بـ: (قطرة الدموع) قطراتها فلما أضيفت إلى الجمع أفردت ثقة بذهن السامع!

وفي: إفراد الدم وجمع الدموع؛ إيذان بتفضيل إهراق الدم في سبيل الله على تقاطر الدمع بكاء!". انتهى.
(أما الأثران فأثر في سبيل الله):
كخطوة، أو غبار، أو جراحة في الجهاد، أو سواد حبر في طلب العلم!
(وأثر في فريضة من فرائض الله):
كـ: إشقاق اليد والرجل من أثر الوضوء في البرد! وبقاء بلل الوضوء!
واحتراق الجبهة من حر الرمضاء التي يسجد عليها!

وخلوف فمه في الصوم! واغبرار قدمه في الحج!] ا.هـ (2)
ــــــــــــــ
(1) [رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن غريب". وحسنه الوالد ـ رحمه الله ـ انظر: " سنن الترمذي"؛ الحديث رقم: 1669].
(2) الشرح من كتاب: "تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي". باختصار.

الأحد/ 24 محرم/1431هـ.